اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 141
هذا الكون العريض.
ولقد ذكر المسلمون الله فذكرهم، ورفع ذكرهم، ومكنهم من القيادة الراشدة. ثم نسوه فنسيهم فإذا هم همل ضائع، وذيل تافه ذليل.. والوسيلة قائمة. والله يدعوهم في قرآنه الكريم: «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ» ..
[سورة البقرة (2) : الآيات 153 الى 157]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)
بعد تقرير القبلة، وإفراد الأمة المسلمة بشخصيتها المميزة، التي تتفق مع حقيقة تصورها المميزة كذلك..
كان أول توجيه لهذه الأمة ذات الشخصية الخاصة والكيان الخاص، هذه الأمة الوسط الشهيدة على الناس..
كان أول توجيه لهذه الأمة هو الاستعانة بالصبر والصلاة على تكاليف هذا الدور العظيم. والاستعداد لبذل التضحيات التي يتطلبها هذا الدور من استشهاد الشهداء، ونقص الأموال والأنفس والثمرات، والخوف والجوع، ومكابدة أهوال الجهاد لإقرار منهج الله في الأنفس، وإقراره في الأرض بين الناس. وربط قلوب هذه الأمة بالله، وتجردها له، ورد الأمور كلها إليه.. كل أولئك في مقابل رضى الله ورحمته وهدايته، وهي وحدها جزاء ضخم للقلب المؤمن، الذي يدرك قيمة هذا الجزاء..
153- «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» ..
يتكرر ذكر الصبر في القرآن كثيراً ذلك أن الله سبحانه يعلم ضخامة الجهد الذي تقتضيه الاستقامة على الطريق بين شتى النوازع والدوافع والذي يقتضيه القيام على دعوة الله في الأرض بين شتى الصراعات والعقبات والذي يتطلب أن تبقى النفس مشدودة الأعصاب، مجندة القوى، يقظة للمداخل والمخارج..
ولا بد من الصبر في هذا كله.. لا بد من الصبر على الطاعات، والصبر عن المعاصي، والصبر على جهاد المشاقين لله، والصبر على الكيد بشتى صنوفه، والصبر على بطء النصر، والصبر على بعد الشقة، والصبر على انتفاش الباطل، والصبر على قلة الناصر، والصبر على طول الطريق الشائك، والصبر على التواء النفوس، وضلال القلوب، وثقلة العناد، ومضاضة الإعراض..
وحين يطول الأمد، ويشق الجهد، قد يضعف الصبر، أو ينفد، إذا لم يكن هناك زاد ومدد. ومن ثم
اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 141